سيكولوجيا العلاقات: أنماط التعلّق

لماذا يبني بعض الأشخاص علاقات قريبة بسهولة، بينما يتأرجح آخرون بين التشبّث بالشريك ورفضه؟

غالبًا ما تكمن الإجابة في كيفية عمل التعلّق—وهو نظام ثابت من التوقعات والاستجابات تجاه القرب والمسافة. تعود جذور المفهوم إلى أعمال جون بولبي وماري أينسورث، وهو موصوف جيدًا في قاموس الرابطة الأمريكية لعلم النفس (APA Dictionary) وفي المراجعات العلمية على PubMed.

تذكّر موقفًا شائعًا: الطفل الذي يعلم أن والدته ستعود لاصطحابه من الحضانة يكون أكثر هدوءًا وثقة. تنتقل هذه الدينامية أيضًا إلى علاقات الراشدين عندما يثق الطرف بمتانة الرابطة.

ما هو التعلّق ولماذا هو مهم؟

التعلّق هو «الرادار الداخلي» للأمان في العلاقات. يساعد على رصد تهديدات الانفصال، وطلب الدعم، وتنظيم القرب والاستقلالية. يتشكل هذا النظام في الطفولة عبر التفاعل مع القائمين على الرعاية؛ وفي الرشد يظهر في الصداقة والعلاقات العاطفية وحتى في العمل. قد تزيد صعوبات التعلّق من التوتر وتؤثر في الرفاه، كما تؤكد مواد Harvard Health Publishing ومنظمة الصحة العالمية.

رأي الكاتب: ليست نظرية التعلّق حكرًا على المختصين؛ فهي تساعدنا على فهم سبب شعورنا بالأمان في بعض العلاقات وبالتوتر أو القلق المستمر في علاقات أخرى.

الأنماط الكلاسيكية للتعلّق لدى البالغين

عادةً ما نميّز أربعة أنماط. ليست «ملصقات» جامدة، بل أطياف؛ فقد يُظهر الشخص ذاته استجابات مختلفة باختلاف الشركاء أو مراحل الحياة.

1) الآمن

السمات. ارتياح للقرب والاستقلالية، ثقة، تواصل صريح حول المشاعر والاحتياجات. تُرى الخلافات كمهام للحل لا كتهديد للرابطة.

مثال. تقول ليلى بهدوء لشريكها: «أود قضاء عطلة نهاية الأسبوع معًا»، ويمكنها تقبّل أن لديه خططًا أخرى مع الاتفاق على وقت يناسب الطرفين.

سؤال: هل يمكن أن يتغير نمط التعلّق بمرور الوقت؟
جواب: نعم؛ تؤثر العلاقات الجديدة، وخبرات العلاج النفسي، وجهود تطوير مهارات التواصل والثقة.

2) القَلِق (الطموح/المتذبذب)

السمات. حاجة شديدة للتأكيد العاطفي، خوف من الهجر، تقلبات انفعالية متكررة. نزعة إلى التركيز المفرط على العلاقة، والغيرة، وكثرة التحقق.

مثال. يرسل سامر رسائل لشريكته كل نصف ساعة، ويقلق إذا لم يتلقَّ ردًا فورًا، ويفسّر الفواصل كعلامات برود.

فكّر: كيف تتفاعل عندما لا يردّ شخص مقرّب على رسالتك؟ هل تشعر بالهدوء أم بالقلق أم بالرغبة في الابتعاد؟ قد تكشف هذه الاستجابات عن نمط تعلّقك الحالي.

3) التجنّبي

السمات. عدم ارتياح مع القرب العاطفي، تشديد على الاستقلالية. يميل الشخص إلى الحفاظ على مسافة، وعقلنة المشاعر، وتجنّب الحوارات الصعبة.

مثال. تقدّر مريم علاقتها لكنها تؤجّل «أحاديث العمق»، وتجيب بإيجاز، وتحاول تغيير الموضوع حين يتطرق شريكها للعواطف.

4) غير المنظم (الخائف-التجنّبي)

السمات. سعي إلى القرب مع خوف منه في آن واحد: انجذاب يعقبه تراجع حاد. يظهر غالبًا بعد خبرات مؤلمة.

مثال. يرغب عمر في علاقة حميمة، لكنه يختفي فجأة عند أول بادرة هشاشة ثم يعود وهو يشعر بالذنب.

يمكن العثور على شروح مبسطة لهذه الأنماط لجمهور عام على WebMD، بينما تُعرض الحالات السريرية المرتبطة باضطرابات التعلّق المبكرة لدى الأطفال على موقع Mayo Clinic. من المهم التفريق بين الأنماط اليومية والاضطرابات السريرية — فهما مستويان مختلفان.

من أين تنشأ أنماطنا؟

الخبرات المبكرة. عندما تُلبّى احتياجات الطفل من الرعاية والتسكين بشكل موثوق، تتكوّن توقعات أساسية مفادها «يمكنني الاعتماد على الآخرين»—وهو أساس التعلّق الآمن. عدم الاتساق، أو الغياب العاطفي، أو الخبرات الصادمة قد يرفع احتمال الاستراتيجيات القلِقة أو التجنّبية.

خبرات الرشد. علاقات البالغين أيضًا «تعيد تدريب» نظام التعلّق. الشريك الداعم قد يخفّف الاستجابات القلِقة مع الوقت؛ أما الرفض المتكرر فيزيدها. تتوفر مراجعات علمية للعلاقة بين تعلّق الطفولة وتعلّق البالغين على PubMed.

مثال: من اختبر برودًا عاطفيًا من والديه في المراهقة قد يتوقع الأمر نفسه من شريكه؛ لكن تجربة علاقة داعمة يمكنها تعديل هذه التوقّعات تدريجيًا.

كيف يؤثر ذلك في العلاقات؟

التواصل

النمط الآمن يدعم الحوار الواضح والقدرة على طلب الدعم. القَلِق يقود إلى كثرة التحقق وتفسير الأحداث المحايدة كتهديد. التجنّبي يقود إلى الهروب من الحديث و«كبت» المشاعر. مثال: تأخر الشريك 20 دقيقة. الآمن يسأل ويُصغي. القَلِق يفكر «لا يقدّرني». التجنّبي يقرر الصمت «لتجنب الدراما».

الخلافات والمصالحة

الأزواج ذوو النمط الآمن يعودون إلى التعاون أسرع. القَلِقون يزيدون حدة النقاش بحثًا عن استجابة. التجنّبيون ينسحبون إلى الصمت. تُظهر الدراسات رضا أعلى حين يعترف الشريكان بمشاعر واحتياجات بعضهما (انظر مواد Harvard Health ومراجع APA).

سؤال: هل يمكن لأشخاص بأنماط مختلفة بناء علاقة متناغمة؟
جواب: نعم؛ يعتمد ذلك كثيرًا على الوعي والاستعداد للعمل على الذات. حتى الشريك القَلِق مع التجنّبي قد يبلغان توازنًا بجهود متبادلة.

هل يمكن تغيير النمط؟

نعم؛ الأنماط استراتيجيات متعلَّمة، والعادات قابلة للتعديل. ليس «زرًا» فوريًا بل مسارًا تدريجيًا.

ممارسات للمساعدة الذاتية

  • التثقيف النفسي. اطّلع على مصادر موثوقة: APA، PubMed، Harvard Health.
  • رصد المُحفِّزات. دوّن المواقف التي «تُفلت فيها الأعصاب»: ماذا شعرت؟ ماذا حاولت أن تفعل (رسائل كثيرة، صمت)؟ ما الذي نفع ولم ينفع؟
  • مهارات التنظيم الانفعالي. فواصل تنفّس، خطة بديلة («ماذا سأقول بدل الهجوم أو الانسحاب»)، استخدام «رسائل الأنا»: «أشعر بالقلق حين تتغير الخطط دون إشعار. هل يمكننا التنسيق مسبقًا؟».
  • اختيار البيئة. العلاقات مع أشخاص أكثر إتاحة عاطفيًا قد «تعيد ضبط» نظامك تدريجيًا نحو مزيد من الأمان.

متى يُستحسن طلب مساعدة مختص؟

إذا كانت الأنماط تسبب ضغطًا شديدًا وتؤثر في العمل أو الأسرة أو الأمان، فقد تفيد الاستعانة باختصاصي. قد يشمل الدعم علاجًا فرديًا أو زوجيًا، وتدريبًا على التواصل وتنظيم الانفعالات. تتوفر معلومات موثوقة في صفحات منظمة الصحة العالمية وAPA. إذا أقلقتك أعراض لدى طفل (مثل صعوبة ملحوظة في بناء الروابط)، فارجع إلى إرشادات Mayo Clinic وناقشها مع طبيب أو أخصائي نفسي للأطفال.

يؤكد الكاتب: العمل على الأنماط ليس سباقًا ولا التزامًا بـ«الكمال». إنه توسيع تدريجي لقدرتك على الشعور بأمان أكبر في العلاقات وحرية أوسع في التعبير عن العواطف.

خرافات وحقائق

خرافة: «نمط التعلّق حُكم نهائي»

الحقيقة. الأنماط قابلة للتغيير. الدعم الموثوق ومهارات التواصل والعلاج قد تزيد الأمان مع الزمن.

خرافة: «الأشخاص الآمنون لا يتشاجرون»

الحقيقة. جميع الأزواج يختلفون. الفارق في كيفية الخروج من النزاع باحترام للاحتياجات والحدود.

خرافة: «يكفي أن تجد الشخص المناسب وسيتلاشى كل شيء»

الحقيقة. الشريك مهم، لكن مهاراتك الذاتية في تنظيم العواطف والتعبير عن الاحتياجات هي أساس علاقة مستقرة.

اسأل نفسك: أيّ هذه الخرافات قابلته أكثر في حياتك أو أحاديثك؟ الوعي بالخرافات يخفف ضغط الصور النمطية ويساعدك على إيجاد طريقك الخاص.

مؤشر ذاتي قصير (ليس تشخيصًا)

ضع علامة على ما يقترب منك في المواقف المعتادة:

  • أطلب المساعدة بهدوء وأتقبّل الرفض دون تهويل — أقرب إلى الآمن.
  • أحتاج إلى كثير من التأكيدات وإلا ينتابني قلق شديد — أقرب إلى القَلِق.
  • أفضل عدم الحديث عن المشاعر كي لا «أُحرّك المياه» — أقرب إلى التجنّبي.
  • أقترب كثيرًا ثم أبتعد فجأةأقرب إلى غير المنظم.

هذه القائمة مجرد إرشاد. للحصول على تقييم دقيق، استشر مختصًا، واستعن بمصادر موثوقة (مثل مواد APA أو مقالات Harvard Health التعليمية).

كيف تتحدث عن التعلّق مع شريكك؟

  • اختر وقتًا هادئًا. لا تبدأ الحديث في ذروة الخلاف.
  • تحدث عن نفسك. «ألاحظ أنني أقلق حين لا أعرف الخطط. هل يمكن الإخبار مسبقًا؟».
  • اطلب التحديد. «ما الإشارات التي تراها رعاية؟ وما الذي تعتبره ضغطًا؟».
  • اتفقا على طقوس صغيرة. رسالة «وصلت»، تفقد مسائي قصير، «كلمة توقف» لطلب مهلة أثناء النقاش.

موارد للقراءة الإضافية


هذه المادة لأغراض معلوماتية فقط، ولا تغني عن استشارة مختص. إذا راودتك أعراض، فتواصل مع طبيب أو أخصائي نفسي.

شارك قصتك

أخبرنا عن تجربتك المتعلقة بهذا الموضوع.