عصر وسائل التواصل الاجتماعي وصعود النزعة النرجسية

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية

نحن نتواصل، نعمل، نرفّه عن أنفسنا، وحتى نبني تقديرنا لذاتنا من خلال شاشات الهواتف الذكية. لكن مع هذه الإمكانيات الجديدة، ظهرت ظاهرة اجتماعية ونفسية جديدة — وهي تصاعد النزعات النرجسية. يربط الباحثون بشكل متزايد بين النشاط المفرط على وسائل التواصل الاجتماعي وتغير مفهوم الإنسان لذاته واعتماده المتزايد على تقييم الآخرين.

ما هي النرجسية ولماذا نسمع عنها أكثر من قبل؟

مصطلح «النرجسية» يعود إلى الأسطورة الإغريقية عن نرجس الذي وقع في حب صورته المنعكسة في الماء. في علم النفس، طوّر هذا المفهوم كل من سيغموند فرويد وأوتو كيرنبرغ. اليوم، تشير النرجسية إلى سمة شخصية تتمثل في الحاجة المفرطة للإعجاب والانتباه من الآخرين.

تعرّف الجمعية الأمريكية للطب النفسي اضطراب الشخصية النرجسية بأنه نمط دائم من التفكير والسلوك يتميز بشعور مفرط بالأهمية الذاتية، وحاجة مستمرة للإعجاب، ونقص في التعاطف. ومع ذلك، من المهم التمييز بين النرجسية المرضية والنزعات النرجسية التي قد تتفاقم بفعل البيئة — مثل البيئة الرقمية.

وسائل التواصل الاجتماعي كمرآة ومضخّم لتقدير الذات

منصات مثل Instagram وTikTok وFacebook تخلق فضاءً فريدًا يقارن فيه الأفراد أنفسهم باستمرار بالآخرين. أظهرت دراسة منشورة في PubMed أن الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة التمركز حول الذات والاعتماد على عدد الإعجابات. وكلما نشر الشخص المزيد من الصور الذاتية، زادت احتمالية تطور تصورات العظمة وعدم استقرار تقدير الذات.

مثال من الحياة: تعترف الشابة ليلى، 26 عامًا، بأنها تبدأ كل صباح بفحص عدد الإعجابات على صورها. إذا كانت أقل من المعتاد، يتدهور مزاجها. في البداية بدا الأمر عادة بسيطة، لكن مع الوقت لاحظت أن ثقتها بنفسها أصبحت تعتمد على ردود فعل الآخرين.

آليات تشكّل النرجسية الرقمية

يشير علماء النفس إلى عدة آليات تعزز من خلالها وسائل التواصل الاجتماعي السمات النرجسية:

الآلية الوصف النتائج
المقارنة المستمرة مقارنة الحياة الشخصية بصور مثالية للآخرين انخفاض تقدير الذات، الحسد، القلق
المكافأة بالإعجابات كل إعجاب يمنح دفعة صغيرة من الدوبامين الاعتماد على القبول الخارجي
بناء الهوية الرقمية عرض الواقع من خلال منشورات وصور منتقاة بعناية فصل بين الذات الحقيقية والذات الافتراضية

الأدلة العلمية والأبحاث الحديثة

وفقًا لدراسة نُشرت في Journal of Personality and Social Psychology، يميل المستخدمون الذين يركّزون على المظهر الخارجي وصورتهم العامة إلى تسجيل مستويات أعلى من النرجسية. أظهر التحليل أن عدد المنشورات التي تتضمن صورًا شخصية أو إنجازات يرتبط مباشرة بدرجة الشعور بالعظمة.

تعزز خوارزميات المنصات هذا النمط من خلال تخصيص المحتوى بناءً على سلوك المستخدم. فكلما زاد تركيز الفرد على نفسه، زادت احتمالية ظهور محتوى مشابه له. هذا «الدوران المغلق» يقوي شعور الأهمية والتميّز.

رأي الكاتب: وسائل التواصل الاجتماعي لا تخلق النرجسية، بل توفر لها المسرح. العالم الرقمي يضخّم السمات الموجودة بالفعل في الإنسان، محولًا الحاجة الطبيعية إلى التقدير إلى سباق لا ينتهي نحو الانتباه.

أين الحد بين احترام الذات الصحي والنرجسية؟

ليس كل تعبير عن الثقة بالنفس نرجسية. احترام الذات الصحي يعتمد على القيم الداخلية وليس على عدد الإعجابات. يكمن الفرق في مصدر التقدير الذاتي: عندما يشعر الإنسان بالرضا عن أفعاله وليس عن ردود فعل الآخرين، فهذا دليل على النضج الداخلي.

تؤكد Harvard Health أن الإفراط في السعي إلى إثبات الذات يمكن أن يؤدي إلى هشاشة في تقدير الذات. فالأشخاص الذين يعتمدون على المديح يعانون بشدة عند مواجهة النقد.

كيف تغيّر الثقافة الرقمية طريقة تفكيرنا

تعزز وسائل التواصل الاجتماعي النظرة السطحية للعالم: الصور ومقاطع الفيديو القصيرة تخلق تصورًا مبسطًا عن الذات والآخرين. يبدأ الكثيرون في النظر إلى أنفسهم كـ«علامة تجارية» بدلاً من أشخاص حقيقيين، مما يؤدي إلى زيادة الكمالية والقلق وعدم الاستقرار العاطفي.

مثال من الحياة: أحد المؤثرين المعروفين بصوره «المثالية» اعترف بأنه يشعر بضغوط مستمرة للحفاظ على صورته بلا عيوب. وعندما نشر صورًا أقل جاذبية، فقد عددًا من المتابعين — ما أثر سلبًا على ثقته بنفسه.

تأثيرها على الشباب

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن المراهقين هم الأكثر عرضة لتأثير البيئة الرقمية. فمرحلة بناء الهوية تتزامن مع السعي إلى القبول، ووسائل التواصل تجعل هذا السعي علنيًا. الرؤية المستمرة لإنجازات الآخرين تخلق شعورًا بعدم الكفاية وتزيد من القلق.

هل يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون الإضرار بالنفس؟

يوصي خبراء Mayo Clinic بتبنّي «الاستخدام الواعي» — أي أخذ فترات راحة رقمية منتظمة، وتنقية المحتوى، وتحديد وقت الاستخدام. من المفيد التركيز على معنى التواصل وليس على عدد الإعجابات: استخدام وسائل التواصل كأداة اتصال، لا كوسيلة لإثبات الذات.

سؤال: هل النشاط على وسائل التواصل دائمًا دليل على النرجسية؟
الجواب: لا. يمكن أن يكون النشاط لأسباب مهنية أو إبداعية أو اجتماعية. النرجسية تظهر عندما يُقاس قيمة الفرد فقط من خلال التفاعل الرقمي.

سؤال: هل يمكن «علاج» النرجسية؟
الجواب: ليست مرضًا بل سمة شخصية. لكن الوعي الذاتي والعلاج النفسي وتنمية التعاطف تساعد في تخفيف مظاهرها وتعزيز الاستقرار الداخلي.

كيف نستعيد التوازن بين الحياة الرقمية والواقعية

الخطوة الأولى هي إدراك أن الانتباه الافتراضي لا يعني الحب أو الاحترام الحقيقي. فالعلاقات الواقعية والدعم المتبادل والتجارب المشتركة تمنح شعورًا أعمق بالرضا الذاتي. تساعد ممارسات مثل الامتنان، والعمل التطوعي، والرياضة، والتواصل المباشر في استعادة التوازن بين «أنا الرقمية» و«أنا الحقيقية».

- ما الصفحات أو الحسابات التي تزورها أكثر؟ وكيف تشعر بعدها — بالإلهام أم بالقلق؟ - متى كانت آخر مرة شعرت فيها بالسعادة دون نشرها على الإنترنت؟ - لو اختفت الإعجابات غدًا، هل ستتغيّر طريقة تعبيرك عن نفسك؟

إخلاء المسؤولية: هذه المادة لأغراض التثقيف والمعلومات فقط، ولا تُعتبر بديلاً عن استشارة الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي الإكلينيكي. إذا شعرت بالإرهاق العاطفي أو الاعتماد الزائد على وسائل التواصل الاجتماعي، يُنصح بالرجوع إلى مختص.

شارك قصتك

أخبرنا عن تجربتك المتعلقة بهذا الموضوع.

مقالات موصى بها